فبالإضافة لما ذكر أعلاه فإنها تنهى عن الفحشاء والمنكر:
( اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ )[ المعارج:45]
والصلاة شعيرة رئيسة للعبادة يقوم بها الإنسان المؤمن والطير ومخلوقات كثيرة، وكل مافي السموات والأرض يسبح بحمد الله:
)أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلَاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُون ([ النور:41]
وكانت محور دعاء إبراهيم عليه السلام:
( رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاَةِ وَمِن ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاء )[ إبراهيم:40] ولهذه الخصائص العظيمة كانت الصلاة فرضاً على المسلم فرضه الله سبحانه وتعالى وأمراً من عنده:
( قُل لِّعِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُواْ يُقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَيُنفِقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لاَّ بَيْعٌ فِيهِ وَلاَ خِلاَلٌ )[ إبراهيم:31 ]
وكذلك:
( فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلاَةَ فَاذْكُرُواْ اللّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِكُمْ فَإِذَا اطْمَأْنَنتُمْ فَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ إِنَّ الصَّلاَةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتًا ) [ النساء:103]
( وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ وَارْكَعُواْ مَعَ الرَّاكِعِينَ )[ البقرة:43]
( حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ والصَّلاَةِ الْوُسْطَى وَقُومُواْ لِلّهِ قَانِتِينَ )[ البقرة: 238] ويتوالى الأمر بالصلاة والإلحاح بها إلحاحاً شديداً بأساليب متعددة ، حتى لا يبقى عذر لمن يريد أن يفلت منها:
( وَالَّذِينَ يُمَسَّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ إِنَّا لاَ نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ )[ الأعراف:170]
وعن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر، فأصبحت يوماً قريباً منه ونحن نسير، فقلت: يا رسول الله! أخبرني بعمل يدخلني الجنة ويباعدني من النار، قال: " لقد سألت عن عظيم، وأنه ليسير على من يسره الله عليه، تعبد الله ولا تشرك به شيئاً، وتقيم الصلاة، وتؤدي الزكاة، وتصوم رمضان وتحج البيت " ثم قال: " ألا أدلك على أبواب الخير: الصوم جنة والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار، وصلاة الرجل من جوف الليل ". قال: ثم تلا ( تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ ... ) [السجدة: 17،16]، حتى بلغ (يعملون) .
ثم قال: ألا أخبرك برأس الأمر كله وعموده وذروة سنامه ؟! قلت : بلى ! يا رسـول الله ! قال: رأس الأمر الإسلام ، وعموده الصلاة ، وذروة سنامه الجهاد"(1).
فالصلاة هنا في الحديث الشريف: "عمود الأمر" أي عمود الإسلام! وكان أول ما أوصى به رسول الله ( معاذ بن جبل أن يعبد الله ولا يشرك به شيئاً، ثم تلا ذلك مباشرة: "وتقيم الصلاة "!
ثم جاءت التوصية على صلاة الرجل في جوف الليل، ثم تلا الآيات من سورة السجدة. ونذكر هنا الآيات الثلاث من هذه السورة:
( إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآياتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّداً وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ . تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ . فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ . )[ السجدة: 15ـ 17]
ومن هذا العرض السريع الموجز ندرك أهمية فريضة الصلاة حتى كانت أهم ركن بعد الشهادتين في الإسلام، الإسلام الذي بُنِىَ على أركانه الخمسة:" بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وحج البيت، وصوم رمضان "(2).
وقد جاءت كلمة الصلاة ومشتقاتها في تسع وتسعين آية، في أربعين سورة تقريباً من القرآن الكريم.
* جمع النصوص المتعلقة بتارك الصلاة والتخلف عنها:
لذلك نجد من خلال الآيات الكريمة أن التخلف عن الصلاة ليس من صفات المؤمنين، وإنما هو من صفات الذين يتبعون الشهوات فيضيعون الصلاة:
( فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا )[ مريم:59]
ويوم القيامة يكون مصير تاركي الصلاة مصيراً مؤلماً خطيراً:
) كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ . إِلَّا أَصْحَابَ الْيَمِينِ . فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءلُونَ . عَنِ الْمُجْرِمِينَ . مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ . قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ ) [ المدثر:38-43]
وأما المنافقون فإنهم يقومون إلى الصلاة وهم كسالى
( إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُواْ إِلَى الصَّلاَةِ قَامُواْ كُسَالَى يُرَآؤُونَ النَّاسَ وَلاَ يَذْكُرُونَ اللّهَ إِلاَّ قَلِيلاً )[ النساء: 142]
إذا كان القيام إلى الصلاة بكسل هو صفة المنافقين، فما هو حال من يترك الصلاة مدعياً أنه يتركها كسلاً ؟!
وتتوالى أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم تبين كذلك منزلة الصلاة العظيمة في الإسلام ودورها في تغذية الإيمان وطهارة الإنسان، وحمايتـه من الفواحش والفتن. وحسبنا هنا أن نقدم قبسات من الأحاديث الشريفة، بالإضافة إلى ما سبق من الآيات الكريمة. وعلى المسلم أن يعود إلى منهاج الله ليتدبر آيات وأحاديث أكثر:
عن أبي المليح قال: كنا مع بريدة رضي الله عنه في غزوة في يوم ذي غيم فقال بكروا بصلاة العصر، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " من ترك صلاة العصر فقد حبط عمله "(3).
وعن ابن عمر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " من فاتته العصر فكأنما وتر أهله وماله " (4).
هذا حال من فاتته صلاة العصر ولم يتعمد تركها، فكيف يكون حال من يترك الصلاة كلها لا يرجعه إليها نصح ولا تذكير؟!
وعن أبي قتادة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: قال الله عز وجل: "إني فرضت على أمتك خمس صلوات وعهدت عندي عهداً أنه من جاء يحافظ عليهن لوقتهن أدخلته الجنة، ومن لم يحافظ عليهن فلا عهد له عندي " (5).
وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " أرأيتم لو أن نهراً بباب أحدكم يغتسل منه كل يوم خمس مرات هل يبقى عليه من درنه شيء ؟! "قالوا لا يبقى من درنه شيء. قال: " فذلك مثل الصلوات الخمس يمحو الله بهن الخطايا " (6).
ولا بد أن نذكر أن هذه الأحاديث الشريفة لا تعني أنها تدعو المسلم إلى الصلاة وإلى ترك ما عداها من التكاليف الربانية. إنها تعني أنه من يحافظ على هذه الصلوات بشروطها وضوءاً وطهارة وأحكاماً, وخشوعاً، فإن الله يهدي قلبه ليمتنع عن الفواحش، وليقبل على سائر التكاليف، وسائر الشعائر، وتلاوة القرآن الكريم وتدبره ودراسته، وليقبل على الدعوة إلى الله ورسوله، وإلى سائر الأهداف الربانية الثابتة.
ولم يكن التحذير من القيام إلى الصلاة بكسل فحسب، ولا من التخلف عن صلاة العصر أو العشاء أو الفجر، وإنما كان التحذير الشديد لمن تخلف عن صلاة الجماعة:
فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد ناساً في بعض الصلوات، فقال: " لقد هممت أن آمر رجلاً يصلي بالناس, ثم أُخالف إلى رجال يتخلفون عنها، فآمر بهم فيحرقوا عليهم بحزم الحطب بيوتهم ، ولو علم أحدهم أنه يجد عظماً ثميناً لشهدها " (7), وفي رواية أخرى: "إن أثقل صلاة على المنافقين صلاة العشاء وصلاة الفجر، ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبواً. ولقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام, ثم آمر رجلاً فيصلي بالناس ثم أنطلق معي برجال معهم حزم من حطب إلى قوم لا يشهدون الصلاة فأحرق عليهم بيوتهم بالنار " (
.